التجارة الإلكترونية في العالم العربي
يشكِّل هذا النمو السريع للتجارة الإلكترونية تحدياً وفرصة للأعمال والمستهلكين على حدٍّ سواء، ويسهم في تغيير الطريقة التي ننظر بها إلى عالم التجارة والتسوق، وسنتناول في هذا المقال عالم التجارة الإلكترونية في الوطن العربي، ونلقي نظرة على كيفية تطورها وتأثيرها في الاقتصاد والمجتمع في المنطقة.
التجارة الإلكترونية في الوطن العربي، واقع وإحصاءات:
شهدت التجارة الإلكترونية في الوطن العربي تطوراً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة أكثر من أي منطقة أخرى في العالم، فقد شهدت المنطقة نمواً ملحوظاً في عدد المتاجر الإلكترونية والمنصات التجارية عبر الإنترنت، وتعزى هذه الزيادة إلى انتشار وتيسير التكنولوجيا، وزيادة الوعي بفوائد التسوق عبر الإنترنت، كما أنَّ حلول الدفع الإلكتروني وتسهيل عمليات الشحن والتوصيل أصبحت أكثر توفراً وسهولة.
رغم صعوبة تحديد حجم التجارة الإلكترونية في العالم العربي؛ إذ تشارك معظم الشركات والأفراد في هذا القطاع بشكل جزئي، لكن توضح بعض التقارير السنوية التطور في هذا الميدان، فقد بدأ هذا التطور في عام 2010 حينما كان عدد مستخدمي الإنترنت في المنطقة العربية يتراوح بين 350 إلى 450 ألف مستخدم، وهذا يُمثل نسبة 4% من إجمالي مستخدمي الإنترنت عالمياً، وقد بلغ حجم التجارة الإلكترونية حوالي 90 مليون دولار آنذاك.
لقد تصدَّرت دول الخليج القائمة من حيث حجم التجارة الإلكترونية بقيمة تجاوزت 3.1 مليار دولار، تليها مصر بنحو 500 مليون دولار، في حين توزَّع الباقي على باقي الدول العربية، وفي عام 2015، شهدت الأرباح نمواً ملحوظاً لتصل إلى 20 مليار دولار في دول الخليج وفقاً لتقرير شركة Go-Gulf، ومع ارتفاع عدد مستخدمي الإنترنت في العالم العربي إلى حوالي 275 مليون نسمة في عام 2020، أي ما يمثل 64% من إجمالي عدد السكان العالم العربي، شهدت النشاطات التجارية الإلكترونية زيادة ملحوظة لتصل إلى 37 مليار دولار في عام 2020، ومن المتوقع أن يزيد حجم التجارة الإلكترونية إلى 57 مليار دولار بحلول عام 2026 بمعدل نمو سنوي يبلغ 11%. تقريباً.
معوقات تطبيق التجارة الإلكترونية في العالم العربي:
أولاً: البنى التحتيَّة الناقصة أو غير المكتملة
تؤدي البنية التحتيَّة للاتصالات دوراً أساسياً في تعزيز ونشر التجارة الإلكترونية، وتشمل هذه البنية الخطوط الهاتفية الثابتة والمتنقلة، وأجهزة الكمبيوتر الشخصية، والخوادم المضيفة للإنترنت، ونطاقات الإنترنت العليا، ومن الواضح من الإحصاءات أنَّ هذه البنية التحتيَّة في مستوى منخفض في معظم الدول العربية، في الواقع، تُظهِر الإحصاءات أنَّ معظم هذه البنى التحتيَّة تتباعد بشكل كبير عن مستوى المتوسط العالمي، ويوجد أيضاً فرق واضح بين الدول الخليجية وباقي الدول العربية فيما يتعلق بتوفر هذه البنية، فتقترب معدلات توافر البنية التحتيَّة في الدول الخليجية من المعدلات العالمية.
ثانياً: أسعار الحواسيب والاتصالات المرتفعة
ما يزال اقتناء الحواسيب يمثل تحدياً كبيراً لمعظم الشركات الصغيرة في الوطن العربي، حتى مع هبوط أسعار الحواسيب على الصعيد العالمي، تظل هذه التكاليف مرتفعة، وذلك خاصة عندما نضع في الحسبان تكلفة تطوير البرمجيات المخصصة لاحتياجات الشركة، إضافة إلى ذلك، يتطلب تأهيل الموظفين لاستخدام التكنولوجيا وتقنيات المعلومات تكاليف إضافية، مع ملاحظة أنَّ الدخل الشخصي في معظم الدول العربية – باستثناء دول الخليج – غالباً ما يكون غير كافٍ لشراء أجهزة الحاسوب الشخصية بسهولة.
إضافة إلى ذلك، تبقى تكلفة الاتصال بالإنترنت مرتفعة في كثير من الدول العربية، وهذا يعني أنَّ استخدام الشبكة وتطبيقات التجارة الإلكترونية يقتصر بشكل رئيسي على فئات محددة من الأفراد، تظل هذه العوائق تحدياً كبيراً أمام تطور التجارة الإلكترونية في المنطقة.
شاهد بالفديو: 10 نصائح للحصول على أفكار تجارية ناجحة
ثالثاً: عدم تحديث القوانين والتشريعات
يعد عدم تحديث القوانين والتشريعات لتتناسب مع تطور التكنولوجيا وتطبيقاتها أحد أبرز المعوقات التي تقف أمام انتشار التجارة الإلكترونية في الوطن العربي، على سبيل الذكر:
1. قوانين حقوق الملكية الفكرية:
مع تزايد استخدام الإنترنت والتجارة الإلكترونية، أصبحت قضايا حقوق الملكية الفكرية أكثر تعقيداً، فيتعين على القوانين واللوائح الوطنية أن تتواكب مع التطورات التكنولوجية لضمان حماية حقوق الملكية للأفراد والشركات، ومع ذلك، في معظمالدول العربية، ما تزال هذه القوانين قديمة ولم تتم مراجعتها لتناسب البيئة الرقمية الحديثة.
2. التشريعات الضريبية والتجارة الإلكترونية:
يجب أن تكون قوانين الضرائب والتشريعات المتعلقة بالتجارة الإلكترونية واضحة وعادلة، ومع ذلك،ثمة غموض أو تفاوتات في هذه التشريعات في بعض البلدان العربية؛ وذلك يؤثر في قدرة الشركات على توسيع أعمالها عبر الإنترنت.
3. التأمين والحماية القانونية:
القانون غير واضح بشأن مسائل التأمين والحماية القانونية فيما يتعلق بالتجارة الإلكترونية، وهذا يجعل الشركات تتعرض لمخاطر مالية وقانونية بالغة في حالة حدوث مشكلات أو تجاوزات.
4. الخصوصية والأمان:
تتطلب قوانين حماية البيانات وخصوصية المعلومات تحديثات دورية لمواجهة التهديدات السيبرانية المتزايدة،ويؤثر عدم وجود تشريعات فعالة في هذا المجال في الثقة في التجارة الإلكترونية ويقلل من توجُّه الأفراد للاستفادة منها.
رابعاً: عدم توافر الكوادر البشرية المؤهلة
يعد عدم وجود موارد بشرية جيدة من المعوقات الرئيسة التي تواجه تطبيق التجارة الإلكترونية في الوطن العربي، فيفتقر لوجود الأفراد المحترفين للتعامل مع التكنولوجيا الحديثة المستخدمة في التجارة الإلكترونية، وهذا يشمل القدرة على إدارة المواقع الإلكترونية والتسويق عبر الإنترنت وإدارة قواعد البيانات والأمان السيبراني، وغيره.
خامساً: عدم توافر أنظمة دفع فعالة للسداد أو الدفع الإلكتروني
من وسائل الدفع الإلكتروني المنتشرة في التجارة الإلكترونية: التحويل الإلكتروني، والبطاقات البنكيَّة مثل الفيزا كارد والماستر كارد، لكن في الوطن العربي البنية التحتيَّة المالية غير متطورة بما فيه الكفاية لدعم عمليات الدفع الإلكتروني؛ هذا يعني أنَّ البنوك ومقدمي خدمات الدفع قد لا تكون لديهم البنية التحتيَّة اللازمة لدعم تلك العمليات بسلاسة وأمان.
سادساً: قلة الوعي وثقافة التسوق عبر الإنترنت
رغم التقدم في التجارة الإلكترونية، لكن ثمة بعض الفجوات في التوعية بثقافة التسوق عبر الإنترنت والثقة في العمليات الإلكترونية، ويعدُّ هذا تحدِّياً إضافياً يجب التعامل معه.
كيف يمكن تطوير التجارة الإلكترونية في الوطن العربي؟
1. تحسين البنية التحتيَّة التقنية:
ينبغي توفير بنية تحتيَّة تقنية قوية تشمل الاتصالات عالية السرعة والأمان السيبراني، ويجب الاستثمار في تحسين البنية التحتيَّة لضمان سرعة وموثوقية الاتصالات عبر الإنترنت والقدرة على معالجة معاملات الدفع الإلكتروني بأمان.
2. تحسين البنية التحتيَّة المالية:
تطوير أنظمة الدفع الإلكتروني، وتوفير وسائل دفع متنوعة تناسب احتياجات المستهلكين والتجار، ويمكن تشجيع استخدام البطاقات الائتمانية والحوالات البنكية الإلكترونية وغيرها من وسائل الدفع الإلكتروني.
3. تحسين القوانين واللوائح والتشريعات:
يجب تحسين القوانين واللوائح المتعلقة بالتجارة الإلكترونية، وضمان وضوحها وتوافقها مع التطورات التكنولوجية، وذلك يساهم في زيادة الثقة وتقليل المخاطر القانونية.
4. تشجيع الاستثمار ودعم ريادة الأعمال:
يجب تقديم الدعم للشركات الناشئة وريادي الأعمال الذين يرغبون في دخول مجال التجارة الإلكترونية، وذلك يحفِّز الابتكار ويعزِّز المنافسة في هذا القطاع.
5. توجيه التعليم والتدريب:
يجب تقديم برامج تعليم وتدريب الموظفين والأفراد لتطوير المهارات الرقمية وفهم أسس التجارة الإلكترونية، وهذا يساهم في توظيف الكفاءات البشرية اللازمة لدعم هذا القطاع، وأصبح من الواجب على الحكومات دمج التكنولوجيا في التعليم.
6. زيادة الوعي والثقة:
من الهام توعية المستهلكين والتجار بمزايا التجارة الإلكترونية وضرورة التحول إلى هذا النموذج، فتؤدي حملات التوعية دوراً هاماً في بناء الثقة وتشجيع مزيد من الأشخاص على استخدام التجارة الإلكترونية.
7. تعزيز الأمان وحماية البيانات:
يجب توفير أمان موثوق وحماية البيانات الشخصية للمستهلكين والتجار، وذلك يسهم في بناء الثقة وتشجيع مزيد من الأشخاص على دخول مجال التجارة الإلكترونية.
8. الشراكات الإقليمية والدولية:
يساعد التعاون مع الدول العربية الأخرى والشركاء الدوليين على تطوير التجارة الإلكترونية وزيادة الإمكانات التصديرية.
شاهد بالفديو: 8 أسباب وراء فشل المشاريع التجارية
التجارة الإلكترونية في بعض الدول العربية:
1. الإمارات العربية المتحدة:
بلغ حجم التجارة الإلكترونية في الإمارات حوالي 27.2 مليار دولار أمريكي في عام 2020، ومن الملاحظ أنَّ حوالي 90٪ من سكان الإمارات يستخدمون الإنترنت بانتظام، وأكثر من 30٪ منهم يشترون حاجياتهم عبر الإنترنت، وبفضل هذه الإحصاءات، تحتل الإمارات العربية المتحدة مكانة متقدِّمة في مجال التجارة الإلكترونية على مستوى العالم العربي، فتتصدر السوق وتظهر بوصفها إحدى أكثر الدول نشاطاً في هذا القطاع.
تصل مكانتها إلى المرتبة 28 عالمياً في هذا المجال؛ وذلك بفضل الاهتمام الكبير الذي توليه الحكومة الإماراتية لتعزيز التجارة الإلكترونية وتطوير قطاع الاتصالات والإنترنت، وقد وُفِّرَت البنية التحتيَّة الضرورية التي تتيح للإمارات مواكبة التطورات والتغيرات المستمرة في عالم التجارة الإلكترونية.
2. قطر:
تعيش دولة قطر حالياً تطوراً ملحوظاً في مجال التجارة الإلكترونية، ففي عام 2022، بلغ حجم التجارة الإلكترونية في هذه الدولة الخليجية الغنية حوالي 2.2 مليار دولار أمريكي، يمثل هذا الرقم زيادة كبيرة مقارنة بالأعوام السابقة ويشهد على نجاح قطاع التجارة الإلكترونية فيها.
تُصنَّف قطر عالمياً في المرتبة رقم 47 في مجال التجارة الإلكترونية، وهذا يعكس تفوُّقها في هذا القطاع وقدرتها على المنافسة على الصعيدين الإقليمي والعالمي، وتشير هذه الإنجازات إلى التزام قطر بتطوير بنيتها التحتيَّة التكنولوجية ودعم قطاع التجارة الإلكترونية.
ما يميِّز قطر أيضاً هو وجودها القوي على الساحة الرقمية وتبنِّيها التكنولوجيا بشكل متقدم، فتعيش قطر في عصر الرقمية، فيمتلك معظم سكانها وصولاً سهلاً إلى الإنترنت، وهذا يسهم في تعزيز التجارة الإلكترونية، وبالنظر إلى الزيادة الكبيرة في حجم التجارة الإلكترونية خلال العام الماضي، يمكن القول إنَّ هذا القطاع مستمر في النمو والتطور.
3. السعودية:
تحتل السعودية المرتبة الثالثة على المستوى العربي و49 على المستوى العالمي، فيستخدم نصف سكانها الإنترنت، وما تزال تضع الخطط للتوسع بالتجارة الإلكترونية ومتابعة آخر المستجدات التكنولوجية.
في الختام:
نستطيع القول بوجه قاطع إنَّ التجارة الإلكترونية في الوطن العربي تشهد نمواً ملحوظاً ومستداماً، إذ تعد هذه الظاهرة نتيجة لتبنِّي التكنولوجيا وتوسُّع استخدام الإنترنت في المنطقة، وكذلك انتشار الهواتف الذكية ووسائل الدفع الإلكتروني، ومع ذلك، ما تزال بعض التحديات تقف عائقاً في وجه انتشار التجارة الإلكترونية منها قضايا الأمان والثقة، وضرورة تحسين بنية التسويق الرقمي واللوجستيات، كما يجب على الحكومات دعم البنية التحتيَّة التكنولوجية.
بالقيام بهذه الخطوات نتوقع مزيداً من التقدم والازدهار في مجال التجارة الإلكترونية في الوطن العربي، وهذا سيسهم في تعزيز الاقتصاد وتوفير فرص العمل وتحسين مستوى المعيشة للمواطنين؛ لذلك يجب على الجميع العمل معاً لتحقيق هذا الهدف والاستفادة من الإمكانات الكبيرة التي يقدمها هذا القطاع في المستقبل.
اكتشاف المزيد من رذاذ التجارة والاقتصاد
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.