مفهوم الاستقرار المالي وكيفية تحقيقه بالتدريج
أما صديقك، فهو يعمل في مهنة ما أدرَّت عليه في الشهر الماضي دخلاً عظيماً كان كافياً ليعيش بطريقة مرفهة؛ لكنَّه في الشهر الحالي بالكاد استطاع أن يجني ما يكفيه حاجاته الأساسية، فما هو القاسم المشترك بينكما يا ترى؟
إنَّ القاسم المشترك بين الحالتين هو افتقار كليهما لمفهوم الاستقرار المالي، والذي سنتناوله في حديثنا ضمن هذا المقال لنعرِّفه، ونتحدث عن مجموعة خطوات تضمن الوصول إليه وتحققه بالتدريج.
مفهوم الاستقرار المالي:
يمكن تعريف مفهوم الاستقرار المالي على أنَّه حالة من التوازن المستمر بين المدخول والنفقات لوقت طويل، وهو من المصطلحات المصرفية التي انسحب تطبيقها على الحالات الفردية؛ فالمصارف تتعامل بمصطلحي الاستقرار المالي النقدي والمصرفي.
فالاستقرار المالي هو ثبات واستمرار نسبي لكل من مجالَي النفقات والدخل، فإذا ما كان دخلك الشهري يقارب 1000 دولار، ونفقاتك الشهرية تتراوح بين 700-800 دولار، وتدخر الباقي فهذا يعني أنَّك وصلت إلى الاستقرار المالي.
أما إذا كان دخلك الشهري 1000 دولار وتنفق 1000 أو 1200 دولار في الشهر؛ فهذا يعني أنَّ أمورك المالية غير مستقرة، ويجب حقاً إيجاد حالة توازن تجنِّبك الوقوع في العوز أو الاقتراض والاستدانة؛ وذلك عبر تقليل نفقاتك أو زيادة مدخولك، فإذا ما عقدت العزم وأخلصت النية لإيجاد حل لهذه المشكلة التي تتكرر شهرياً، إليك إذاً هذه النصائح التي توضح كيفية تحقيق الاستقرار المالي:
1. تصالَح مع وضعك الحالي:
إنَّ أول نصيحة نقدمها لك ضمن مجموعة النصائح التي توضح كيفية تحقيق الاستقرار المالي هي أن تتقبل وضعك الحالي، فإذا ما كنت من أصحاب الدخل المحدود أو المنخفض يجب ألا ترفض ذلك أو تتنكر له أو تخجل به؛ وهذا لا يعني أبداً ألا تكون لديك طموحات وأحلام مالية وردية؛ فجميعنا نملكها.
التقبل هو الخطوة الأولى باتجاه التغيير، فإذا ما كنت مبتدئاً في عملك وتحصل على راتب منخفض، فلا بأس في ذلك، وحاول أن تعيش حياتك بما يتلاءم مع هذا الدخل، فإذا ما كان السكن وحدك عبئاً كبيراً في هذه المرحلة، فلا بأس بفكرة السكن المشترك، وإذا ما حلمت بارتداء الماركات العالمية، فلا بأس الآن بارتداء بضاعة رخيصة أو من السوق الخيري أو المستعمَل، الأمر الهام هو ألا تعيش مفصولاً عن الواقع، ومتقمصاً لمستوى مادي لا يشبه مستواك الفعلي لتُوهِم نفسك أو الآخرين بأنَّك ميسور الحال.
إيَّاك أن تشتري موبايل باهظ الثمن أو أن تستأجر سيارة فارهة تذهب بها إلى عملك، لا تفعل أي شيء يفوق طاقتك المادية.
2. حاوِل تحقيق التوازن في الدخل الشهري:
نصيحتنا الثانية ضمن مجموعة النصائح التي توضح كيفية تحقيق الاستقرار المالي هي تحقيق التوازن في الدخل الشهري، وتعني تقسيم الدخل إلى الأولويات التي يجب الإنفاق عليها إنفاقاً مناسباً، فليس من المنطقي أن تستأجر منزلاً يعادل أجاره شهرياً ثلاثة أرباع راتبك الشهري، كيف سيكفي الربع الباقي لقضاء احتياجاتك من طعام وشراب وخدمات ومواصلات وملابس والتزامات أخرى؟
ليس من المنطقي أيضاً أن تقترض مبلغاً ضخماً يجب سداد دفعاته شهرياً تفوق راتبك وأنت لا تملك مصدر دخل آخر؛ لذا يجب من أجل أن تحقق الاستقرار المالي أن ترتب أولوياتك من سكن وطعام وخدمات بما يتناسب مع دخلك ليبقى لديك مبلغ إضافي تدخره أو تضعه في صندوق الطوارئ.
شاهد بالفديو: 12 نصيحة للوصول إلى الاستقرار المالي في حياتك
3. وفِّر مصادر دخل أخرى:
يخشى الجميع تقلب الأحوال وتغيرها، ويخاف معظم الموظفين من فقدان وظائفهم، فكيف يستطيعون تحقيق الاستقرار المالي والحفاظ على مستواهم المعيشي كأنَّ شيئاً لم يحدث؟ الجواب هو عبر توفير مصدر دخل آخر.
إذاً فإنَّ نصيحتنا الثالثة ضمن مجموعة النصائح التي توضح كيفية تحقيق الاستقرار المالي هي العمل على توفير مصدر دخل جديد، فإذا عزمت على ترك العمل في شركتك لأسباب تخصك، فاحرص على إيجاد فرصة بديلة تضمن لك استمرار الحياة في المستوى المعيشي ذاته على الأقل، وإذا خشيت التسريح القسري أو أن يأخذ الذكاء الاصطناعي مكانك في العمل، فاحرص على تعلُّم مهارة جديدة تعمل بها في حال حدث ذلك، أو قبل أن يحدث إذا كان وقتك يسمح بذلك، وإذا ما رغبت في حل أفضل يجب أن تجتهد لتوفر مصدراً يؤمن لك دخلاً سلبياً؛ أي مالاً تجنيه وأنت نائم، مثل عقار تؤجره أو سهم ترتفع قيمته كل يوم.
4. ادخر المال:
لا توجد نصيحة لكيفية تحقيق الاستقرار المالي أفضل من الادخار، مهما بدا راتبك قليلاً احرص على أن تدخر جزءاً منه شهرياً وليكن بنسبة 5%، وشهراً بعد شهر ستجد أنَّ قيمة مدخراتك تزداد، فتشعر بنوع من الأمان المالي الذي يؤكد لك بأنَّك لن تنام في الشارع إذا ما أُقِلت؛ ففي محفظتك أو حسابك المصرفي ما يعيلك حتى تجد فرصة جيدة، أو ربما تجد لمدخراتك استثماراً ناجحاً يدر عليك أرباحاً جيدة تحسِّن من أوضاعك وتوصلك درجة الحرية المالية.
5. استثمر:
تلي نصيحة الاستثمار نصيحة الادخار في ترتيب النصائح عن كيفية تحقيق الاستقرار المالي، فالاستثمار طريق يوصلك إلى تحقيق الدخل السلبي الذي يزيد من رفاهيتك، وهو وسيلة لحفظ قيمة أموالك ومضاعفتها والتأمين عليها بعيداً عن تقلبات القيمة السوقية للعملات؛ لذا احرص على استثمار أموالك بدلاً من تجميدها في محفظتك أو الحسابات البنكية، وتأكد من دراسة خطة الاستثمار جيداً ومراعاة قواعد هامش المخاطرة في كل عملية، وتأكَّد ألا تضع كل البيض في سلة واحدة.
6. تجنَّب الإسراف:
ليس الإسراف فعلاً مُحبَّباً أبداً، وهو عائق كبير أمام تحقيق الاستقرار المالي؛ لذا فإنَّنا ننصحك بالاقتصاد بدلاً منه، تعزيزاً لمفاهيم الاستدامة أولاً ومن أجل الوصول إلى طموحك في الاستقرار المالي ثانياً.
لا يعني وجود تخفيضات على الأحذية أن تقوم بشراء ثمانية منها، ولا تطلب لنفسك ولصديقك طعاماً يكفي عشرة أشخاص، وإن حدث وزاد عنكما شيء أبقه في الثلاجة إلى وقت آخر، وعش بمستوى أقل من إمكاناتك، وحاول ألا تزيد استهلاكك في حال حصلت على علاوة مالية أو دخل إضافي؛ بل اسعَ إلى ادخار الجزء الأكبر منه.
شاهد بالفديو: كيف يمكن الوصول إلى الحرية المالية؟
7. اكبح جماح نفسك:
هذه نصيحة هامة من النصائح التي توضح كيفية تحقيق الاستقرار المالي، فكثيرة هي الأغراض التي نشتريها بدافع الرغبة في اقتنائها فقط، وليس بدافع الحاجة إليها، مثل الملابس والأدوات والإكسسوار والتحف وغيرها أشياء كثيرة تستهلك قسماً كبيراً من مدخولنا دون أن تحقق لنا أي فائدة تُذكر سوى إرضاء غرور النفس وزيادة متطلباتها.
8. فكِّر بعقلية الوفرة:
نسمع كثيراً من الناس يقولون: “كلما ادخرت مبلغاً معيناً يحدث لي أمر طارئ فأنفقه دفعة واحدة” وتكون هذه الطوارئ على شكل أعطال مفاجئة في السيارة أو حالات صحية طارئة لهم أو لفرد من عائلتهم، وللأسف فإنَّ هذا يحدث فعلاً.
إنَّ للأفكار تأثيراً كبيراً في السلوكات والأحداث في الحياة؛ فالأغنياء مهما وصلوا إلى الإفلاس يعودون أغنياء، والفقراء مهما وصلت إلى أيديهم مبالغ طائلة يظلون فقراء، والسر يكمن في طريقة التفكير.
مَن يفكر أنَّ ادخار المال من أجل المستقبل هو عملية شاقة معقدة تحرمه من ملذات الحياة، وأن الرواتب غير كافية ولا توجد فرص عمل كثيرة في البلاد لن يصل إلى الاستقرار المالي أبداً، أما من يفكر بكميات المال الهائلة الموجودة على سطح الأرض والتي يستطيع بالتأكيد الحصول على نصيب وافر ويكفيه منها بقليل من الاجتهاد وضبط النفس هو من سيحقق استقراره المالي في وقت أسرع مما كان يحتسب.
9. دوِّن مصاريفك:
يخبرك كثير من الناس أنَّ جيوبهم فارغة ولا يتذكرون حتى كيف أنفقوا المال، الحل الأنسب لهؤلاء هو تدوين المصاريف وتوضيحها، وهذه ستكون نصيحتنا الأخيرة في هذا المقال ضمن النصائح التي توضح كيفية تحقيق الاستقرار المالي.
دوّن مصاريفك وخذ في الحسبان المصاريف الثابتة والتي لا يمكن المساومة عليها، مثل أجار المنزل وثمن خدمات الماء والكهرباء والإنترنت والأدوية إن وجدت، إضافة إلى المواصلات والطعام والشراب والادخار بالتأكيد، أما بقية الأشياء مثل الملابس والإكسسوارات والنوادي والمطاعم، فهي أشياء متغيرة يمكن التلاعب بها ومراقبة الشيء الأكثر الذي يستهلك نقودك، وقد تكون زيارات المطاعم الكثيرة برفقة الأصدقاء هي السبب، وهنا تستطيع التقليل منها وكذلك الأمر بالنسبة إلى أي شيء آخر.
ارسم في خيالك شكل الحياة المالية المستقرة التي ترغب فيها، واحلم بها مراراً وتكراراً فهذا أيضاً من شأنه أن يشجعك على الاستمرار في التخلي عن الكماليات والسعي باجتهاد أكبر نحو تحقيق أحلامك المالية، تخيَّل نفسك وزوجتك أربعينيين تجوبان العالم وتستمتعان دون أي قلق، أليس هذا مُحفِّزاً؟
في الختام:
إنَّ الاستقرار المالي يعني الوصول إلى حالة مستمرة من التوازن بين الدخل والإنفاق؛ إذ يمكن العيش بالمستوى نفسه لفترات طويلة دون القلق من الانقطاع المؤقت لمصادر الدخل؛ لأنَّ البدائل متوافرة دوماً وعلى أهبة الاستعداد، وإنَّ تحقيق الاستقرار المالي يتطلب القيام بممارسات معينة من أجل بلوغ هذه الدرجة من الأمان المالي.
اكتشاف المزيد من رذاذ التجارة والاقتصاد
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.